الإعجاز العلمي في الإسراء والمعراج
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين
من أبرز معجزات النبي صلى الله عليه وسلم العملية الإسراء والمعراج فأنت حينما تقرأ سورة الإسراء وسورة النجم ، في الأولى حديث عن الإسراء وفي الثانية حديث عن المعراج ، أنت في هاتين السورتين تطالع أحداث خارقة للعادة لا ينبغي أن تحللها وفق قوانين الأرض ، إن أردت أن تحللها وفق قوانين الأرض لن تصل إلى نتيجة لأن الله سبحانه وتعالى
"سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" (الإسراء/1).
الإسراء وهو في الجملة من ضروريات الدين، ومنكره خارج عن ربقة المسلمين
ولذا قال الإمام الصادق عليه السلام :
ليس منَا من أنكر أربعة : المعراج ، وسؤال القبر، وخلق الجنَة والنار، والشفاعة)
وقال الإمام الرضا عليه السلام :
(من لم يؤمن بالمعراج فقد كذبَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)
الإسـراء والمعراج في القـرآن
لم يرد ذكر للإسراء والمعراج في القرآن الكريم إلاَ في موضعين وهما :
الآية الأولى من سورة الإسراء: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً..)
وضمن سورة النجم: تومئ إلى حدوث المعراج من دون التعرض للإسراء.
بعد بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي أثناء المرحلة السريَة التي استمرت ثلاث سنوات كان على الأرجح الإسراء والمعراج .
فالإسراء كان إلى بيت المقدس حسب نص القرآن الكريم . والمعراج من هناك إلى السماء الذي وردت به أخبار كثيرة . يرى بأنه ذكر الإسراء في الآية دون المعراج؟
ربَما لأنَ في الإسراء إيناس للعقول بتصديق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في إخباره عن المعراج فذكر الشيء الذي تقبله العقول، أمَا الأمر الذي يقف فيه العقل بعض الشيء فقد ترك لمدى اليقين الإيماني.
هل سبق العروج إلى السماء لغير محمَد صلى الله عليه وآله وسلم من الأنبياء؟
المعروف أنَه لم يسبق العروج إلى السماء قبل محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلاَ لاثنين إدريس وعيسى عليهما السلام.
وذلك قوله تعالى في إدريس: (وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا)(مريم/57).
وقوله تعالى في عيسى: (..وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا*بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)(النساء/157،158).
لكن على اختلاف في إدريس عليه السلام فقالوا إنَه لبث في الأرض (82) سنة ثمَ رفعه الله إليه.
وقال آخرون أنه قبض روحه بين السماء الرابعة والخامسة وروى ذلك عن أبي جعفر عليه السلام.
متى كان الإسراء والمعراج ؟
إنَ المشهور هو أنَ الإسراء والمعراج قد كان قبل الهجرة بمدَة وجيزة، فبعضهم قال ستة أشهر وبعضه مقال في السنة الثانية عشرة للبعثة أو في الحادية عشرة أو في العاشرة، وقيل بعد الهجرة .
وفي مقابل ذلك نجد البعض يقول إنَه كان في السنة الثانية من البعثة وقيل في الثالثة وهو الأرجح عند الإماميَة.
هل الإسراء بالجسد أم بالروح ؟
يرى البعض أن الإسراء قد كان بالروح فقط في عالم الرؤيا، ولكن الصحيح هو ما ذهب إليه الإمامية ومعظم المسلمين من أنّ الإسراء إنّما كان بالروح والجسد معا.
أما المعراج فذهب الأكثر إلى أنّه كان بالروح والجسد وهو الصّح أيضا.
وممّا يدلّل على أن عروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإسرائه كان بجسده وروحه هو ظاهر قوله سبحانه: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ..)
والظاهر منه أن المقصود ذات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المشتملة على الروح والجسد كما يظهر من مضمون القول في جميع مواضع إستعماله القرآن مثل قوله تعالى: (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى)(النجم/10).
وقوله تعالى: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى*عَبْدًا إِذَا صَلَّى)(العلق/9،10).
وقوله تعالى (بعبده) دون باقي الصفات كرسوله ونبيّه، لكون العبوديّة أتم صفة للمؤمن.
وقوله سبحانه بعبده يدلّ على أن الإسراء كان بالجسد لأنّ العبد أسم لمجموع الجسد والروح.
وهنا أذكر بيتين لأحمد شوقي في هذا المجال:
يتساءلون وأنت أطهر هيكل بالروح أم بالهيكل الإسـراء
بهما سموت مطهـــرين كلاهمــا نـور وروحـانيـة وبهـاءٌ
سؤال :
كم مرّة عُرج برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء ؟
في رواية عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال :
"عُرج بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء أكثر من مائة وعشرين مرّة".
لكن هناك رواية أخرى سأل أبو بصير أبا عبد الله عليه السلام
كم مرّة عُرج برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فقال : مرتين).
ربما المقصود بالمرتين في مكة والبواقي في المدينة، أو المرتان إلى العرش والباقي إلى السماء ؟ أو المرتان ما أخبر بما جرى فيها والبواقي لم يخبر بها.
الصحيح والواضح من دلالة الحديث على تعدّد العروج بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وذلك من جهات:
1- دلالتها على تعدد مكان العروج .
2- دلالتها على تعدد زمانه .
3- دلالتها على اختلاف مركوبه .
4- دلالة بعضها على أنّه صلى الله عليه وآله وسلم رجع من بيت المقدس ، وأخرى على أنّه صعد منه ، وثالثة أنّه صعد من المسجد الحرام إلى السماء
هنا سؤال
لماذا كان الإسراء إلى المسجد الأقصى دون غيره من بقاع الأرض ؟
فالوجه فيه كون بيت المقدس ملتقى الدّيانتين المسيحية واليهوديّة، فأراد الله تعالى أن يدلّل بذلك على عالمية الدعوة، وهيمنة الشّرع المحمّدي ، ونسخه لباقي الشرائع السّماوية أو لبيان وحدة الأديان في الدعوة إلى الله.
وهنا يجرّنا الحديث إلى : ما هي غاية الإسراء ؟
قيل الغاية قوله تعالى : (..لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا..)
وقال آخرون : إن حديث الإسراء جاء بعد الجفوة التي لاقاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أهل الدنيا ، فأراد الله تعالى أن يمدّه بشحنة روحيّة فكان الإسراء .
فهذه الآيات له ، لم يقل ليريكم من آياتنا ، قال لنريه من آياتنا إذاً هذا خرق لقوانين الأرض أن ينتقل النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس ، ثم يعرج إلى السماء إلى سدرة المنتهى ويعود إلى الأرض ثم يعود إلى مكة دون أن يكون للزمن حساب في هذه الرحلة.
لا شك أيها الأخوة أن المعجزات العملية التي هي خرق لقوانين الأرض ونواميس الكون ، والتي لا تخضع لقواعد الحياة التي نحياها هي معجزة وهي دليل على أن الذي جاء بها نبي مرسل ،ومن أولى المعجزات العملية الإسراء والمعراج.
طبعاً بسذاجة ما بعدها سذاجة لو قلت كيف يصعد النبي إلى السماء ، أو إلى أعلى طبقات السماء ، أو إلى سدرة المنتهى ، بالقوانين الأرضية هذا مستحيل ، لكن كما أنك تؤمن أن الله سبحانه وتعالى جعل إبراهيم في النار والنار لم تحرقه ، وكما تؤمن أن البحر أصبح طريقاً يبساً ، وكما تؤمن أن الجبل خرج منه ناقة لسيدنا صالح ، وكما تؤمن أن العصا أصبحت ثعباناً مبيناً ، هذه كلها معجزات لا يمكن أن تخضعها لقوانين الأرض ولا لمقاييس العقل ، إنها خرق لنواميس الأرض
وقوانين الكون ، أول هذه المعجزات العملية الإسراء والمعراج
يا من رقى فوق البراق إلى السماء والكل يشهد
فأتى النـــداء من ذي الجلال بأن تدنى يا ممـــجد
وبدا الســـــلام عليك بالتسليم ذا الفخر المــــؤيد
ووطأت موضع لم يكن خلقاً هناك سواك يصـــعد